الأميرة إلى قاتلة..
في عالم الجريمة، هناك قضايا تُحفر في الذاكرة الجماعية ليس لشناعتها فقط، بل لغرابة دوافعها وتفاصيلها الصادمة. الجريمة التي سنتناولها اليوم هي واحدة من هذه القضايا، التي هزت المجتمع البرازيلي والعالم بأسره قبل أكثر من عقدين، وما زالت تفاصيلها تُروى وتُناقش حتى اليوم.
![]() |
سوزان فون ريشتهوفن |
إنها جريمة مروعة تتجاوز حدود العقل، خاصةً عندما يكون الجاني فتاة شقراء من عائلة ثرية ومثالية. إنها قصة سوزان فون ريتشوفن، الفتاة التي تحولت من أميرة إلى قاتلة.
حياة سوزان فون ريشتهوفن..
وُلدت سوزان في نوفمبر 1983 في مدينة ساو باولو بالبرازيل. كان والدها، مانفريد ألبرت فون ريتشوفن، مهندسًا ألمانيًا ثريًا، ووالدتها، ماريسيا فون ريتشوفن، طبيبة نفسية برازيلية من أصول لبنانية. كانت العائلة تعيش حياة مترفة، حيث قُدرت ثروتهم بحوالي 5.5 مليون دولار.
عاشت سوزان فون ريشتهوفن وشقيقها الأصغر أندرياس (من مواليد 1987) حياة مريحة، تلقت سوزان تعليمها في مدرسة ألمانية مرموقة ثم التحقت بالجامعة الكاثوليكية لدراسة القانون، مما يوحي بأنها كانت تتمتع بمستقبل واعد.
لم تكن هناك أي مؤشرات على وجود مشاكل داخل العائلة، حتى بدأت سوزان في ممارسة رياضة الجوجيتسو. في النادي، التقت بشاب يُدعى دانيال كريفر. بدأت علاقتهما كصداقة ثم تحولت إلى قصة حب. في البداية، لم يمانع والداها من هذه العلاقة، ولكن سرعان ما تغير رأيهما.
بداية النهاية : علاقة مرفوضة..
اكتشف والدا سوزان أن دانيال كان شخصًا سيئًا؛ فهو عاطل عن العمل، ولا يدرس، ويُعرف عنه تعاطي المخدرات. بدآ يضغطان على سوزان لإنهاء علاقتها به، لكنها رفضت تمامًا. بل إن الضغط زاد من تمسكها بدانيال، وصارت علاقتهما أقوى.
في يوليو 2002، سافر والدا سوزان لقضاء عطلة، وفي هذه الفترة، انتقل دانيال للعيش معها في منزل العائلة لمدة شهر كامل. بعد عودة الوالدين، طلبت سوزان منهما شراء منزل خاص لها لتعيش فيه مع دانيال. لكن والدها رفض رفضًا قاطعًا، وأخبرها أنه عليها أن تعمل وتعتمد على نفسها.
الليلة المأساوية : خطة شيطانية..
وصل الضغط النفسي إلى ذروته في 31 أكتوبر 2002. في تلك الليلة المشؤومة، خططت سوزان ودانيال وشقيقه كريستيان كريفر (26 عامًا) لجريمة مروعة. أخذت سوزان شقيقها أندرياس وتركته في صالة ألعاب الفيديو، وعادت إلى المنزل برفقة دانيال وكريستيان.
قبل دخولهم، قامت سوزان بإطفاء نظام الإنذار وكاميرات المراقبة. ثم صعدت إلى غرفة والديها للتأكد من أنهما نائمان. بعد تأكدها، دخل دانيال وكريستيان، بينما انتظرت هي في غرفة المعيشة. صعد الشقيقان إلى غرفة النوم، وكانا يحملان قضيبًا حديديًا. ضربا الأبوين على رأسيهما، لكنهما لم يموتا على الفور.
لإتمام جريمتهما، أحضر دانيال منشفة مبللة وخنقهما بها، لكن الأمر لم ينجح. ثم استخدم وعاء ماء لخنق والد سوزان حتى فارق الحياة. أما الأم، فقد تم خنقها بكيس بلاستيكي حتى فارقت الحياة هي الأخرى. بعد أن تأكدوا من مقتل الوالدين، بدأت سوزان في تنفيذ الجزء الثاني من الخطة: تغيير مسرح الجريمة ليبدو وكأنه عملية سطو.
مسرحية الإثباتات الكاذبة..
قامت سوزان فون ريشتهوفن ودانيال وكريستيان ببعثرة الأوراق والمستندات في المنزل، وأخذوا الأموال الموجودة ليُظهروا أن الهدف كان السرقة. لكنهم ارتكبوا أخطاء فادحة، حيث تركوا هواتفهم النقالة ومسدسًا وبعض المتعلقات الثمينة الأخرى، مما أثار شكوك الشرطة لاحقًا. بعد الجريمة، ذهب دانيال وسوزان إلى فندق، بينما ذهب كريستيان لتناول الطعام في مطعم.
في الساعة 3 صباحًا، عادت سوزان إلى صالة الألعاب لأخذ شقيقها أندرياس، ثم عادا إلى المنزل. بمجرد دخولهما، تظاهرت سوزان بالصدمة عند رؤية والديها ميتين، واتصلت بالشرطة للإبلاغ عن الحادث.
كشف الخدعة سوزان فون ريشتهوفن..
عندما وصلت الشرطة، بدأت الشكوك تساورهم على الفور. كانت أنظمة الإنذار وكاميرات المراقبة مطفأة من الداخل، والفوضى التي أحدثها الجناة كانت منظمة بشكل غريب. لكن الشكوك تحولت إلى يقين عندما لاحظوا برودة مشاعر سوزان وغياب أي علامات حزن عليها.
بعد ثلاثة أيام فقط من مقتل والديها، احتفلت سوزان بعيد ميلادها. كما لاحظ المحققون أن سوزان ودانيال وكريستيان كانوا يشترون أشياء باهظة الثمن ويدفعون ثمنها نقدًا، مما أشار إلى حصولهم على مبلغ مالي كبير فجأة.
الاعتراف والحكم..
تم اعتقال الثلاثة، وبسرعة انهار جميعهم واعترفوا بتفاصيل الجريمة. ورغم محاولات سوزان ودانيال إلقاء اللوم على بعضهما البعض أثناء المحاكمة، إلا أن الأدلة كانت دامغة. في عام 2006، حُكم على سوزان ودانيال بالسجن 40 عامًا بتهمة القتل العمد، بينما حُكم على كريستيان بالسجن 38 عامًا بتهمة التآمر.
👈 حاولت سوزان فون ريشتهوفن استئناف الحكم عدة مرات، لكن محاولاتها باءت بالفشل. وفي عام 2011، رفع شقيقها أندرياس دعوى قضائية ضدها للحصول على حصتها من الميراث، ونجح في ذلك.
لا تزال "قصة سوزان فون ريشتهوفن : حينما انقلبت الأميرة إلى قاتلة.." تُثير الجدل حتى اليوم. هل كانت مجرد ضحية لحبيبها الذي سيطر عليها، أم أنها كانت العقل المدبر الحقيقي وراء هذه الجريمة؟ تبقى سوزان مثالًا صارخًا على أن المظاهر قد تكون خداعة، وأن الشر يمكن أن يختبئ في أماكن غير متوقعة.
المصادر
السجن 39 عاماً لقاتلة والديها - موقع البيان
Wikipedia - Suzane von Richthofen